تركيا كضامن في سوريا.. هل تسحب إسرائيل أوراقها؟

تركيا كضامن في سوريا.. هل تسحب إسرائيل أوراقها؟
بقلم: جرير مراد
من جديد، تفتح تل أبيب ملف مستقبل وجودها في المنطقة العازلة داخل سوريا، لكن هذه المرة بصيغة دبلوماسية ناعمة، توحي بأنها لا تنوي البقاء هناك للأبد. صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية نقلت أن إسرائيل أبلغت عبر وسطاء كلاً من تركيا وسوريا بأنها غير معنية بـإنشاء نظام دفاعي دائم في سوريا، مشيرة إلى أن أنقرة قد تكون الضامن الجديد للترتيبات الأمنية المستقبلية.
انسحاب تكتيكي أم إعادة تموضع؟
السؤال المطروح هنا: هل تتخلى إسرائيل فعلاً عن مكاسبها في المنطقة العازلة؟ أم أن الأمر لا يتعدى إعادة تموضع وفق حسابات جديدة؟ فمنذ سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول الماضي، كثّفت إسرائيل عملياتها العسكرية والاستخباراتية، مستغلة الفوضى التي رافقت التغييرات السياسية في دمشق. لكنها اليوم، وبعد مرور أشهر على الحدث، تجد نفسها أمام مشهد إقليمي أكثر تعقيدًا، حيث النفوذ التركي يتصاعد، والتفاهمات الدولية تُرسم من جديد.
نتنياهو وسقوط الأسد.. رهان خاسر؟
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أقرّ صراحة بأن الإطاحة بـبشار الأسد لم تكن في صالح إسرائيل، وهي تصريحات تحمل أكثر من رسالة. فمنذ بداية الأزمة السورية، كانت تل أبيب تلعب على التناقضات الإقليمية، مستثمرة في إضعاف النظام السوري دون أن تدفع نحو انهياره بالكامل. لكنها الآن، بعدما خرج الأسد من المشهد، تجد نفسها أمام واقع لا يخدم مصالحها كما توقعت.
نتنياهو قال بوضوح إن إسرائيل لم تتلقَّ “الزهور” بعد سقوط الأسد، لكنها أيضًا “لن تسمح باستخدام الأراضي السورية لمهاجمتها”. وهذه إشارة إلى أن تل أبيب لا تزال قلقة من أي فراغ أمني في سوريا، خصوصًا في الجنوب، حيث تمتد المنطقة العازلة التي احتلتها إسرائيل بعد الانسحاب الأمريكي التدريجي.
تركيا في الصورة.. ولكن وفق أي شروط؟
دخول تركيا على خط الضمانات الأمنية ليس مفاجئًا، لكنه يطرح تساؤلات حول الدور الذي قد تلعبه أنقرة. فبعد أن كانت عدواً لدوداً للنظام السوري، تحولت تركيا تدريجيًا إلى طرف محوري في إعادة ترتيب المشهد السوري، مستفيدة من نفوذها العسكري والسياسي على الأرض.
لكن السؤال الأهم: هل تقبل تركيا بدور الضامن وفق الشروط الإسرائيلية؟
أنقرة اليوم ليست في موقع المتفرج، بل تتحرك وفق أجندتها الخاصة، التي تقوم على إبعاد النفوذ الكردي، وتحقيق مكاسب اقتصادية وأمنية داخل سوريا. وإذا ما تولّت دور الضامن، فستضع أولوياتها قبل أي اعتبارات إسرائيلية، وربما تطلب ثمناً سياسياً مقابل أي تفاهمات.
هل تغيرت قواعد اللعبة؟
لا شك أن التحولات الإقليمية الأخيرة قلبت معادلات إسرائيل في سوريا. فمنذ احتلالها للجولان عام 1967، كانت تراهن على إبقاء سوريا في حالة ضعف دائم، مستخدمة أسلوب الضربات الاستباقية والاختراقات الاستخباراتية. لكن اليوم، ومع صعود قوى جديدة، وظهور تفاهمات غير تقليدية بين تركيا وروسيا وإيران وحتى بعض الأطراف العربية، تجد إسرائيل نفسها أمام تحدٍ غير مسبوق.
فهل تسحب إسرائيل أوراقها فعلاً، أم أنها تناور لكسب الوقت حتى تتضح الصورة أكثر؟ الأيام القادمة ستكشف ما إذا كانت تل أبيب تتهيأ لمغادرة المشهد السوري، أم أنها تعيد رسم قواعد اللعبة لصالحها مجددًا.